الخميس، 10 مايو 2018



لأن كرة القدم الإيطالية ضربت مثالًا لسنوات وعقودات في كيفية تقديم صورة فنية كاملة وشاملة يتلاقي فيها المُمتع والحماسي، التكتيك بالقوة ، المواهب الفطرية البديعة من جميع أنحاء العالمبالأصالة والمحافظة على ثوابت الكالتشيو، مليئة كانت بالحكايات والقصص التي لا يُمكن أن تنسى، كانت هى أيضًا تلك الفكرة في ذهني لسنوات وها هى الفكرة تتحول لمشروع استخدمت فيه عدة مصادر سواء من البرامج الوثائقية أو المراجع التاريخية في الصحف ومواقع المُحبين، ها هو المشروع يرى النور أخيرًا..


وصول مارادونا..ومعجزة فيرونا
الجزء الأول من الفصل السابع من آلة الزمن الإيطالية
وموسم 1984/1985
ملاحظة: سبق وأن نشرت هذه المادة على موقع جول العربي
فكرة وإعداد: حسين ممدوح




في الحياة، تحدث أحيانًا أمور غريبة، وفي فيرونا، في هذا الصيف، حدث في فيرونا وإيطاليا عدة أمور هائلة وعجيبة، تحول الانتكاس والغبار الذي غطى مدينة فيرونا لعقود لنجاح يشبه الاستحالة، وفي نصف الموسم الأول قام رجال بانيولي بعملهم على أكمل موجه، لكن رجال الصحافة والإعلام كان من الصعب عليهم فهم معنى هذا النجاح، وهذا الوضع الساحر، رغم وجود أسماء عظيمة في يوفنتوس وإنتر، رغم وجود سحرة في شتى فرق السيري آ، في فلورنسا، نابولي وفريولي، مهاجم هيلاس فيرونا ماورتسيو يوريو آنذاك وهو اللاعب الذي أخفق في إقناع مسؤولي ميلان بضمه، وحتى مسؤولي بولونيا بعد ذلك، يحكي كيف تواجد في تدريبات ميلان، وكيف عجز عن مواصلة التدرب والاختبار لأنه رأى جياني ريفيرا ، المعبود جياني ريفيرا..قادم من بعيد، أنهى اختباره وتوقف منتظرًا إياه ليوقع له على أوتوجراف، كان ضئيل الجسد، كان أميرًا صغيرًا في فيرونا، مهاجم كبير بجانب جالدريزي، رحل لفريق روما آنذاك في آخر أيام -الميركاتو- ولم يكن يدري أن رفاقه في فيرونا على وشك أن يكونوا أبطال حكاية خرافية لا تتكرر كثيرًا، الآن كل إيطاليا تتحدث عنه وعن بريجيل وعن آلياكير وعن فريق بانيولي، لكن علينا أولًا..أن نعرف قصة هذا الموسم العجيب منذ البداية..
سوق الانتقالات:
قام كومو بالتوقيع مع انزي مولر من إنتر، فيورنتينا يودع دانييلي بيرتوني ولكنه ينجح في جلب الأيقونة البرازيلية "سقراط" أو سوكراتيس لقيادة خط وسط الفريق، إضافة لصفقة هامة وتاريخية بالتوقيع مع نجم يوفنتوس صاحب الـ32 عامًا وبطل العالم كلاوديو جنتيلي.

في الشهر الأخير من السوق نجح إنتر في الظفر بصفقة الموسم وضم نجم منتخب ألمانيا كارل هاينز رومينيجيه، نيلس ليدهولم يعود لتدريب ميلان هذا الموسم والروسونيري يُصر على السوق الإنجليزية ويجلب الثنائي الإنجليزي راي ويلكينس ومارك هاتيلي، وهو الموسم الأخير للرئيس جوزيبي فارينا.

تتغير الأيام وتتغير روما، التخلي عن مدربه ليدهولم صاحب الاسكوديتو التاريخي في 1983 والبداية من جديد مع مدرب سويدي آخر، شاب، طموح، إنه سفين جوران إيريكسون، دعك من كل هذا، لأن نابولي هو من سرق الأضواء من إنتر، لأن هناك رجل لا يتكرر مرتين وصل إلى الجنوب الإيطالي، إنه الأسطورة الحقيقة، دييجو آرماندو مارادونا..
نابولي تشتعل..




وصول لاعب/ معجزة أرجنتينية "دييجو أرماندو مارادونا" لملعب سان باولو - يوليو 1984
نابولي مدينة خاصة، ولذلك كانت الصفقة التاريخية والخاصة جدًا، بقدوم ولد الدهب، العبقري دييجو يصل إلى ملعب سان باولو ليجده مكتظًا تمامًا لاستقباله من قبل الجماهير، يصل ليُهدد عرض بلاتيني وزيكو أفضل موهبتين في البطولة الإيطالية، ومع مارادونا أيضًا الذي وصل من برشلونة قام نابولي بجلب دانييل بيرتوني من فيورنتينا.

يوفنتوس مع ميشيل بلاتيني الذي حقق بطولة أمم أوروبا مع منتخب الديوك الفرنسية مُستعد للحفاظ على لقبه، فالفريق يبدو متكاملًا، لكن البطولة الإيطالية بعد وصول سقراطس وليو جونيور من البرازيل إلى فيورنتينا وتورينو على التوالي، سونيس ورومينيجيه، سترومبيرج وإليكاير وبريجيل إضافة لزيكو وفالكاو وبلاتيني فإنها أصبحت مكانًا لأبطال وظواهر رياضة كرة القدم. 
من بين كل هذه الأسماء الأجنبية الاستثنائية كان أفضل من تألق سريعًا وقدم أفضل ما عنده في موسمه الأول هما ثنائي فيرونا بريجيل وبيربين إلكايير وسنعرف فيما بعد لماذا...؟
الجولة الأولى: كل الأبطال مستعدين..

في الأشواط الأولى كان فيرونا مُتقدمًا على نابولي بهدف عبر النجم الألماني هانز بيتر بيريجل الذي كان هدية الرئيس للمدرب أوزفالدو بانيولي مكافأة على ما قدمه من كرة قدم جميلة في آخر سنتين مع الفريق الفيرونيسي، إنتر متقدم على أتالانتا كذلك في بيرجامو، وفي بقية المباريات كان يوفنتوس متعادلًا بنتيجة سلبية مع كومو ، سامبدوريا متفوق على كريمونيسي بهدف، ميلان متعادل مع أودينيزي 1-1، ايفيلينو 0- روما 0، وكذلك لاتسيو مع فيورنتينا.

في بداية الأشواط الثانية تعادل كارلو أوستي لأتالانتا بضربة رأسية من أوستي المدافع صاحب الرقم 2، وفي الدقيقة 57 من مباراة نابولي وفيرونا تعادل دانييل بيرتوني لنابولي بعد كرة استلمها بيسراه وسددها من الزاوية الضيقة لتسكن شباك حارس فيرونا، أما في ملعب الأولمبيكو دي روما فقد كنا على موعد مع أجمل أهداف الموسم من لاعب وسط فيورنتينا إيرالدو بيتشي بيسارية ضربت بالمقص الأيمن للاتسيو وسكنت الشباك ليعلن تقدم الفيولا بهدف.
في نهاية المباريات وفي الدقائق الأخيرة نجح دي جينارو في وضع فيرونا في المقدمة من جديد على حساب نابولي، بينما ظل يوفنتوس عاجزًا عن التسجيل في مرمى كومو.

مارادونا يعرف..

لم تكن بداية مارادونا في السيري آ سهلة على الإطلاق، صحيح أن الجميع كان يقف ليشاهد براعة وسحر هذا الولد القصير المعجزة وحتى لاعبي الخصوم ولكن كان من الصعب عليه قهر الدفاعات الإيطالية سريعًا، وفي الجولات الأولى لم يسجل مارادونا سوى في أول 3 مباريات سوى هدف من ركلة جزاء، شعر مارادونا مدى خشونة وقوة التدخلات وقوة المدافعين في إيطاليا، في تصريح شهير له قال آنذاك عن مدى حماية الحكام له "هذا أمر لا يهمني، فالحكام هم من يقررون في كرة القدم، وليس مارادونا".

يوفنتوس بقيادة ميشيل بلاتيني بعد الفوز باللقب العام الماضي، لكن الأحوال لم تكن جيدة وإن كان بطل كأس الأمم الأوروبية يُقدم أداءًا ثابتًا، لكن الفريق لم يقم بتدعيمات جديدة إلا بلب ماسيمو بونيني، وقرر أن يواصل اعتماده على بلاتيني وبونياك، إضافة لتارديلي وبرانديلي في خط الوسط .
أما إنتر بوجود هانز رومينيجيه بجانب أليساندرو ألتوبيلي فقد كان يسير في الطريق الصحيح، ولم يكن هناك ما يُزعج إلا الخسارة من ميلان في الديربي، ثم في 5 نوفمبر كان عليه مواجهة يوفنتوس على ملعب الجوزيبي مياتزا، وهو نفس التاريخ الذي حقق فيه الفوز برباعية نظيفة على البيانكونيري قبل 5 سنوات.
 على كُل لم يخيب رومينيجيه طموحات جماهير إنتر وسجل هدفين في مرمى جيوفاني تراباتوني، انتصار له قيمة عالية بالنسبة لفريق المدرب إلياريو كاستانيير، وأكمل فيري وكولوفاتي الأمسية بهدفين في مرمى السيدة العجوز، انتصار قام بخلق هزة نفسية كبيرة في نفوس البيانكونيري، حامل اللقب.
في نفس الوقت أمتع سقراطيس جماهير الكالتشيو بتسجيله لهدف جميل بقميص فيورنتينا، هو هدفه الأول بكرة القدم الإيطالية، كانت بداية سقراط بالقميص البنفسجي جدًا رائعة وملفتة للانتباه، لكن دعونا من الحديث كثيرًا عن الفرديات، فهناك فريق هيلاس فيرونا مع المدرب الخبير والمنمق تكتيكيًا أوزفالدو بانيولي، الذي يلعب كرة قدم منظمة ولكنها جميلة أيضًا، بوجود جالدريزي وإلكيير في الهجوم ومعه بريجيل كان فيرونا قادمًا من الخلف ليفاجيء الجميع ففوزه على يوفنتوس في بينتيجودي ثم على فيورنتينا بنفس الملعب واحتفاظه بشباكه نظيفة لأربع مباريات على التوالي كان أمرًا مفاجئًا، نظام وحنكة بانيولي ظهرت وجعلت الجميع يؤمن بأن فيرونا معه قادر على تحقيق شيء كبير، ولكن مع الكبار؟ كان أمرًا صعب تخيله.
من يحلم إذن بأن يحقق فيرونا شيئًا أبعد من التأهل لبطولة أوروبية؟ الأحلام تقول نعم، فلتحلم فيرونا بما هو أبعد من ذلك، لكن مثلما كان هناك فيرونا كان هناك أيضًا الجراندي تورينو، التورو يريد أن يُعيد الأيام الخالدة في ظل هبوط مستوى يوفنتوس هذا العام، ومع قائد حقيقي في وسط الميدان مثل ليو جونيور رأينا تورينو يلعب بمستوى أعلى، فوز تورينو على ميلان قبل دقيقتين من النهاية بهدف النمساوي شاكنير وضربة حرة من "ليو جونيور" ليفز تورينو بهدفين نظيفين في بداية شهر نوفمبر.
Serie a Table After 9 Rounds 19841985

شهر نوفمبر شهد أيضًا فوز تورينو على يوفنتوس في ملعب الكومونالي، الديربي الذي تعود التورو أن يُعاقب اليوفي فيه، الهدف المتأخر جاء عبر ألدو سيرينا المُعار من إنتر والذي عرف إنتر بحق قيمته بعد هذه الإعارة وتألقه مع الجراناتا، في هذه الفترة كان ما قدمه جونيور مُحببًا من الجميع في إيطاليا، لأنه ذكر الكثيرين بفالكاو، ولكن بهدوء أكبر، ومع ألدو سيرينا ولاعب الوسط القديم جوزيبي دوسينا أصبح من حق تورينو أن يحلم أيضًا!، الروح التي كان يتمتع بها فريق جيجي راديتشي كانت السر فيما قدموه هذا الموسم.
Maurizio Iorio

الجولة 10: 
تقدم فيرونا على حساب تورينو بهدف عبر الألماني بريجيل من تسديدة بعيدة بعد خروج خاطيء من حارس التورو، تعادل تورينو بعد عرضية رائعة من شاكنير قابلها دوسينا في مرمى الحارس الفيرونيسي، وكاد جونيور أن يضيف الهدف الثاني لولا تألق الحارس كلاوديو جرانتيلا.
 في بقية المباريات انتهت النتائج بالشوط الأول بتعادل سلبي ما بين ميلان وسامبدوريا، فيورنتينا وإنتر تعادل إيجابي، بينما عاد يوفنتوس من عثرته الكبرى بهدفين من بلاتيني في مرمى أودينيزي في ملعب الفريولي.
في الشوط الثاني، نعود لملعب تورينو حيث نجح جالدريزي بعد مشوار من الجهة اليسرى أن يمهد الكرة لبريجيل الذي وضع فيرونا في المقدمة، بينما تقدم سامبدوريا في النتيجة على حساب ميلان من ركلة جزاء، ويوفنتوس أكد استفاقته بهدفٍ ثالث.
 فيرونا بعد الانتصار عاشت بهجة كبيرة، وكان على الفريق أن يعيش هذا الحلم، وأن لا ينظر للآخرين وأسماء الأندية العظمى التي تأتي خلفه في الترتيب، وهذا ما حدث، فبعد الفوز على تورينو المنافس المباشر والابتعاد عن حامل اللقب "يوفنتوس" بفارق 7 نقاط، تعثر فيرونا في عدة مباريات ولكنه مع بداية العام الجديد "1985" بدأ يفتح صفحة جديدة مع نفسه ويعود للتركيز على الأداء وأن ينسى أن الصدارة لديه، وأن ينسى ملاحقة تورينو، إنتر أو أي نادٍ آخر مثل يوفنتوس وروما رغم نتائجهم السيئة هذا الموسم.

روما والمرحلة الانتقالية




More
جوزيبي جيانيني "البرنشيبي" في لقطة فنية أمام تورينو ، روما 1984

يوفنتوس عاد للانتصارات ورب العائلة "جيوفاني آنييلي" أكد أن الأجواء دومًا متفائلة في يوفي، الرغبة موجودة دائمًا حتى في الأوقات السيئة للعودة قويًا، أما روما فيبدو أن فريق إريكسون يبني يعيش حالة من الغموض والتوتر، فتصعيد اسم مثل جوزيبي جيانيني واسم مثل أنجيلو دي ليفيو كعناصر شابة والاعتماد على بورياني، جراتسياني وبرودزو وتلك الأسماء المتقدمة في العمر مع وجود مشاكل وشائعات عن إمكانية رحيل باولو روبيرتو فالكاو، كل ذلك أثر على نتائج الذئاب العاصمية.
نابولي مارادونا أوقف هيلاس فيرونا بالتعادل السلبي في بداية الدور الثاني من المسابقة واستغل إنتر ذلك بالفوز على أتالانتا في المياتزا بهدف ساباتو وتصدي فالتر زينجا لركلة جزاء من امام مهاجم أتالانتا بيرجامو، ثم الفوز على لاتسيو بهدف ماريني، كان فريق إلياريو كاستانيير قريبًا دائمًا من فيرونا في الصدارة.
إلى هنا ينتهي الجزء الأول من توثيق موسم 1984-1985
في الجزء القادم:عاش فيرونا، نحن وحدنا، وضد الجميع..

0 التعليقات:

إرسال تعليق

مقالات تحليلة

آلة الزمن الإيطالية

المشاركات الشائعة

أرشيف المدونة