مملكتي ليست في هذا العالم..مفجر ثورة الكرة الشاملة
كتب: حسين ممدوح
في ١٩٧١ وصل ريكاردو فيشياني إلى تيرني، كمدرب يحاول أن يلمع اسمه في الدرجة الثانية مع فريق تيرنانا، الذي يملك شعبية كبيرة في مقاطعته وملعب مكتظ على الدوام، وجاء برسالة جديدة لعالم قديم، عالم الكالتشيو وهى كرة القدم الشاملة، سخروا منه، لأن التعبير وقتها لم يكن مألوفا على الأذهان.
نجح فيشياني في الصعود بتيرنانا للدرجة الأولى، لم يفهموه ، فسارعت القنوات لإجراء مقابلات معه، وكانت ردوده مقتضبة، لأنه لم ينجح في صياغة أفكاره العظيمة في كلمات واضحة ، وفي بلد يقدس التكتيك ، صمت فيشياني للحظات طويلة قبل أن يجيب المذيع أنتونيو ماسيميليانو: أفكاري تدور حول أن يلعب كل فرد في الفريق دوره بأفضل شكل...ولم يجد كواردو الذي كان يلعب كرة سريعة ، تمريرات قصيرة، تحركات مفاجئة للخصم تفاعلا مع كلماته، وفكرته التي عبر عنها بشكل خاطئ، وكان رجل هادئ ، لا يحب الإعلام،وخسر ود الصحفيين، مع نظارته الشمسية التي كان يرتديها كلما دخل ملعب الليبيرو ليبيراتي، والتي كان يخبئ ورائها الكثير .
بعدها كتبت الكوريري ديلا سيرا: فلسفة فيشياني؟ إنه لا يملك أي فلسفة..خاصة مع معاناة تيرناتا بالدرجة الأولى وهبوطه..بعدها بسنوات، وبعد أن نجحت هولندا في إبهار الجميع في كأس العالم بكرتها الشاملة، وفوزها على الأرجنتين والبرازيل، فهموا ماذا كان يعني فيشياني, لكن مع ذلك لم يرحبوا بفلسفته التي لا تناسب كرة إيطاليا.
وكان نجاح منتخب إيطاليا في بطولة أوروبا ثم كأس العالم ١٩٨٢, كفيلا بتعزيز هذه الفكرة، رحل فيشياني بمسيرة تدريبية عادية، واعتزل التدريب..وتوفى في فبراير ٢٠١٤، ليبدأ من عاصروا تلك الفترة في تعظيم اسمه ومنجزه الذي لم يأخذ ما يستحق من الاهتمام ..ربما كما قال المسيح، فإن مملكة فيشياني لم تكن في هذا العالم، ولم تكن في إيطاليا.
.ربما لو كان في هذا العصر لارتفع اسمع مثل ماورتسيو ساري وبيب جوارديولا، حيث أصبحت مدارس كرة القدم مفتوحة على بعضها البعض ، في إيطاليا لا يجد الكثير من المدربين رئيس نادي مغامر، لأن البيئة الساخنة في المدرجات والكواليس تريد النتائج ، والنتائج الآن وليس في المستقبل، أنهم يعيشون في القلق وتحت دائرة الضوء كل يوم.
وهذه هي القاعدة، أما الاستثناء فهو قليل..فيشياني كان أحد من دفعوا ثمن المغامرة ولا يتذكره أحد الآن سوى مشجعي فيورنتينا الذي رأوه لاعبا، وجماهير تيرنانا القديمة التي ترى أن تيرناتا لعبت أفضل كرة قدم في تاريخها معه فقط.
ظل كورادو مع ذلك مرجع وقدوة لمدربين عديدين ساروا على نهجه ، فهو مفجر تلك الثورة الصغيرة، وكان هناك بعده كذلك بعض الضحايا من المدربين، عندما حاولوا السير على نهجه، هؤلاء يمكن أن أحدثكم عنهم في حلقات قادمة ، منهم من رحلوا ومنهم من اعتزلوا التدريب، ومنهم مازالوا يدربون حتى يومنا هذا..
0 التعليقات:
إرسال تعليق